سيريتل … مؤسسة أم فرع أمن؟

كنت قد كتبت منذ حوالي عام تدوينة بعنوان “سيريتل … معنا أم ضدنا” عن شركة سيريتل وممارستها الإقصاء عبر تقصي أخبار موظفيها عن طريق صفحاتهم على الفيس بوك وطرد من يثبت حتى تعاطفه مع المتظاهرين واستدللت بحوادث جرت أمام عيني. القصة لم تنتهي عند كتابتي للمقالة فقد أصبحت التحقيقات حينها موجهة لمعرفة صاحب المقال ومعاقبته وبالفعل توصلوا للمكان الذي كنت أعمل فيه وبحكم علاقتهم مع الشركة التي كنت أعمل بها أوصلوا شكواهم متمنين أن تنهي الأمور بطردي أيضاً من عملي، ولكن لسوء حظهم كانت الشركة أجنبية ولم تلتفت لطلبهم ذلك.

دأبت سيريتل على سياستها الأمنية خلال العام المنصرم وتم تعيين أحد عناصر المخابرات ممن كانوا يعملون ضمن الأمن السياسي كعنصر أمن ضمن الشركة (بشكل رسمي) وكانت مهمته مراقبة حسابات الموظفين على الفيس بوك وتقصي أخبارهم وعلاقاتهم ضمن الشركة وخارجها.

بعد كل تلك الجهود، استطاع مدراء الشركة فرز الموظفين على فئتين لا ثالث لهما، إما موظف وطني يحب الرئيس ويدعم النظام ويشارك في المسيرات ويخبر عن زملائه من الطرف الآخر أو موظف عميل يحب المظاهرات (ولو في قلبه) ولا يبدي عشقه للرئيس ويتهرب من المسيرات بحجج متنوعة.

فرز إعتمد على محبة الرئيس فقط دون أي معايير أخرى فلا الكفاءة الوظيفية ولا الإلتزام والجد بالعمل له أي تأثير. كانت الشركة تقوم بفصل أي موظف يثبت مشاركته بمظاهرة أو اعتقاله لدى فرع أمن فالموظف يخرج من المعتقل بعد عملية إعتقال تعسفي ليفاجأ بأن شركته قامت بطرده بدلاً من تقديم الدعم والمساعدة له.

المديرة اللبنانية الأصل للشركة أصبحت تعطي دروساً في الوطنية للموظفين وتخبرهم كيف أنهم يجب أن يحبوا النظام والأب القائد والأخ المهندس صاحب الشركة رامي مخلوف وأن لا ينجروا وراء المؤامرات الخارجية.

الشركة لم تكتف بطرد المتظاهرين والمعتقلين فآخر المستجدات كانت حملة كبيرة بدأتها الشركة باليومين الآخرين باستدعاء كل من تم تصنيفه على أنه معارض وإجباره على تقديم إستقالته ومغادرة الشركة دون أي أسباب ودون الإلتزام بقانون العمل بخصوص التعويضات بشكل كامل.

هذا عدا عن تسخير موارد الشركة لملاحقة الناشطين ومعاقبة المناطق الثائرة عبر قطع الإتصالات والتنصت والتسجيل والحجب والمراقبة …الخ مستعينة بشركات أوروبية بعضها لا زال يمد الشركة بالمعدات حتى الماضي القريب.

الشركة المنافسة إم تي إن والتي تتبع للسياسات الأمنية أيضاً من قطع للإتصالات والمراقبة والتقصي قامت أيضاً بطرد بعض الموظفين ولكن الأمر لم يكن ممنهجاً على طريقة سيريتل ولم نسمع عن حالات كثيرة كما في سيريتل.

قانون الحزب الواحد وعقلية الإستبداد لا ترى أمامها لا قانون عمل ولا أخلاق ولا مهنية. كل ما تعرفه هو الإقصاء وفقط الإقصاء. ولا أدري كيف لا يزال البعض يستبشر خيراً في هذا النظام ونحن نرى بوادر أفعاله في حال بقائه في سدة الحكم. سيكون العقاب مصير الجميع، العقاب أولاً والإقصاء ثانياً.

ضحايا سيريتل المباشرين كانوا عشرات من الموظفين الذين طرودوا من عملهم فقط بسبب آرائهم السياسية، طرودوا في الوقت العصيب الذي تمر به البلد والذي يبحث به الجميع عن لقمة العيش وسط الغلاء وارتفاع الأسعار، في الوقت الذي لا توجد به فرص عمل أخرى تؤويهم ليدفعوا بذلك ثمن مواقفهم وآرائهم. ضحايا سيريتل الأخرين هم عائلات ومناطق ومرضى ومشافي قطعت عنها الإتصالات بأوامر من الأمن، هم ناشطون تم التنصت عليهم وملاحقة أماكنهم وإعطائها لأفرع الأمن، هم شعب حجبت عنه خدمات وتمت مراقبته في كل همسة يهمسها بعد أن تمت أصلاً سرقته عبر ذهاب عوائد الشركة إلى جيوب العائلة الحاكمة.

أحد العاملين السابقين لدى الشركة قال أنهم كانوا يجبَرون على قطع الإتصالات عن بعض المناطق وكان فرع أمن المعلومات التابع للمخابرات يرسل لهم باستمرار أرقام هواتف للتقصي عن أصحابها وجهات الإتصال التي يقومون بالتواصل معها لتتم ملاحقتهم وأن شركات أوروبية قامت بتزويد الشركة بمعدات لمراقبة الإتصالات وتتبع الناشطين وذلك خلال الثورة. بينما كتب أحد من شملهم قرار الفصل: “تفاجأت بأن الشركة استدعتني لتخبرني بقرار الفصل دون إبداء أي أسباب مقنعة مع العلم أن أدائي الوظيفي وتقييم مديري لي كان ممتازاً، لم يحزنني قرار الفصل بحد ذاته بقدر ما أحزنني ما آل إليه حال الشركة حيث أصبح معيار التميز فيها هو عدم مخالفة الخط السياسي العام لأصحابها”. موظف آخر أعرب أنه يعيل أسرته وتم فصله في وقت لا يستطيع إيجاد عمل في مكان آخر بسبب تردي الأوضاع الإقتصادية وأنه قد يضطر لمغادرة البلد بحثاً عن عمل في بلد آخر وكل ذلك بسبب مواقفه من النظام السوري.

موظف آخر تفاجأ أثناء عمله بقوات الأمن تقف أمام مكتبه وتم أخذه إلى مكان لا يعرفه أحد ولم تقدم الشركة أي معلومات عن الفرع الذي تتبع له هذه القوات.

هذه المعلومات هي عن الموظفين ضمن المبنى الرئيسي للشركة في دمشق ومعظمهم من المهندسين والتقنيين وبعضهم في مناصب إدارية وذلك عدا عن الموظفين في باقي المحافظات وخاصة الثائرة والذين تقدر أعدادهم بالعشرات ممن فقد عمله بسبب إنتماء سياسي أو رأي معين.

رابط التدوينة السابقة في شهر نيسان من العام الماضي:

سيريتل … معنا أم ضدنا

4 رأي حول “سيريتل … مؤسسة أم فرع أمن؟”

أضف تعليق