وقفات مع وفاة البوطي

وقفات مع وفاة البوطي

البوطي1

يأتي حدث وفاة البوطي ليوقظ بعض المتناقضات التي نعيشها كمجتمع.

تتداخل عدة أمور في هذه الحادثة من العواطف الدينية إلى العواطف الثورية والسياسية فنرى من كان بالأمس يلعن روح آصف وكل محسوب على النظام يقول اليوم “لا تجوز على الميت إلا الرحمة” أو نرى من أن بالأمس يقف في وجه الشماتة بالقتل يعلن اليوم أن البوطي إلى جهنم و بئس المصير وأصبحنا نرى قادة للمعارضة يتخبطون في بياناتهم ويبدو جليّاً غياب الرؤية وانعدام التوازن.

البوطي بمكانته الدينية وتأثيره السياسي وعلاقته الوطيدة بالنظام وحشده ضد الشعب خلق كل هذه المتناقضات.

الحادثة ليست جديدة فأمتنا تعوّدت منذ قرون على إلتماس الأعذار وتبرير المواقف لكل من يحوي في شخصه بعض التناقضات، نلتمس لمعاوية عذراً لشقّه صف المسلمين ونلتمس ليزيد عذراً لقتله الحسين ونلتمس للحجاج عذراً لقصفه البيت الحرام ونلتمس لابن لادن عذراً لسفكه دماء المدنيين ونلتمس لمشعل عذراً لقوله نحن أوفياء للنّظام ونلتمس للبوطي عذراً بعد شرعنته للقتل والشيعة يلتمسون للخامنئي عذراً لدعمه نظام القتل في سوريا ويلتمسون لحسن نصر الله عذراً لوقوفه الفاضح في وجه الشعب السوري..الخ. كل هذه الأعذار نلتمسها فقط لأن أشخاصها لديهم في ميزانهم بعض المزايا الأخرى التي غالباً ما يكون لها بعد ديني. شخصية الحجاج المتناقضة تشبه شخصيّة البوطي في بعض جوانبها وما زلنا بعد قرابة 14 قرناً لا نستطيع التفريق بين جرائمه ومنجزاته العسكرية.

يتحدّث اليوم البعض عن خدمة البوطي للإسلام وكتاباته وندواته ومنجزاته وكأن الإسلام الذي يتّبعون يختلف عن الإسلام الذي جاء به محمّد والذي لا يأبه لملء الأرض كتباً مقابل دمعة طفل مظلوم ومقابل قطرة دم بريء.

بدأنا نقرأ سيناريوهات عن نيّة البوطي الانشقاق وتخطيطه للهرب وللأسف تورّط بهذه السيناريوهات قادة في المعارضة لهم مصداقيتهم كمعاذ الخطيب. فإذا كان البوطي يريد الإنشقاق فلماذا يخطّط للهرب خارج سوريّة؟ لماذا لا يعلن انشقاقه على المنبر أمام الكاميرات ليعوّض بعض ما قام به تجاه هذا الشعب؟ على ماذا يخاف بعد انقضاء هذا العمر؟

على الطرف الآخر نرى من يشمت بالقتل ويستلذ به واعتاد هذه النشوة ويخشى أن يبحث عنها حتى بعد سقوط النظام لأن فيها شيء من الإدمان. الإنسان حتى يكون إنساناً يجب أن لا يفرح بقتل أي شخص حتى ألد أعدائه. حتى إن هاجمنا شخص في عقر دارنا وحاول قتلنا والإعتداء على أطفالنا ونسائنا فيجب أن ندافع عن أنفسنا ونردّه ما استطعنا ونحاول قتله إذا كان لا بد من ذلك لحماية أنفسنا ولكن عندما يسقط قتيلاً بين أيدينا ردّة الفعل الطبيعية لأي إنسان أن ينظر إلى جثته وربما يبكي أو يشعر بالحزن كيف أنهى هذا الشخص حياته وهو يقوم بالإجرام وربّما يصيبه القرف من فعلته. أما أن ننظر إلى جثته بشيء من النّشوة وكأننا شاربي دماء فهذا ليس من الإنسانية. هذا ينطبق على جميع إعدائنا سواء كان شيخاً يشرعن القتل كالبوطي أو شبيحاً يقوم بالقتل ولا نفرّق بينهما لا لصالح الأول ولا لصالح الثاني.

كان بإمكان سياسيّينا أن يكتفوا بالتنديد بهذه الجريمة وتحميل النظام مسؤوليتها بأنه بدأ بتصفية حلفائه ولكن أن نختلق الأعذار ونقول أن ما فعله البوطي مجرّد اجتهاد خاطئ وأنه كان ينوي الإنشقاق فهذا ليس من الحنكة ولا من الإنصاف في شيء. مفهوم الإجتهاد الخاطئ الذي ساقه سابقاً معظم المشايخ لابن لادن واليوم يسوقونه للبوطي أودى بحياة مئات الألوف ومن اجتهد فأخطأ فله عقاب في الحياة الدنيا. أما موضوع الأجر فذلك لرب العالمين يحاسبه كيف يشاء. لو أراد الإنشقاق فربّه أعلم بذلك ويحاسبه بناءً على ذلك ولكن نحن في الدنيا لنا الظاهر ولنا أن نحكم بناءً على حياته ومواقفه.

نقف جميعاً أمام رهبة الموت سواء لأصدقائنا أو لأعدائنا ونندد جميعاً بأي جريمة تستهدف الآمنين ولكن هذا لا يعني أن نحب كل من يموت أو نلتمس له الأعذار.

لست مضطراً أن أحب أي أحد حياً كان أو ميتاً. يلبس الشورت أو يضع العمامة. مع النظام أو ضده. ويمكننا تأليف مجلدات عن أخطاء أحد الموتى ولا يعني ذلك أنّنا نرسله إلى جهنّم لأن الله هو من سيحاسبه ولسنا نحن ولكن نحن علينا الاستفادة من تجارب البشر جميعاً. من كانوا يفرحون للموت ووقفوا موقفاً مغايراً اليوم مع البوطي فأنا أدعوهم أن يستمرّوا على موقفهم هذا فهو الصحيح ولكن أن يعودوا بعد حين ليناقضوا أنفسهم فتلك هي المصيبة.

خلاصة الكلام أننا لسنا مضطرين أن نتحدث عن مآثر البوطي كي نكون إنسانيين ولسنا مضطرين أن نلعن روحه كي نكون ثوريين. هناك فرق بين حكم الله على شخص وبين حكم التاريخ عليه ولسنا مضطرين أن نغير أحدهما بناءً على الآخر.

رأيان حول “وقفات مع وفاة البوطي”

  1. سلمت بداك مع وجود بعض التحفظات
    إذا بتسمحلي
    بدايه
    وصف سيدنا معاوية بن ابي سفيان أنه أول من شق صف المسلمين فيه الكثير من إشارات الأستفهام (أنا شخصيا ماعندي رد غير مونه صحابي وحديث رسول الله أصحابي كالنجوم) صحيح مسلم (مع أني في عقليا أوافقك تمام )
    ثانيا الحجاج بين يوسف يلقب بمثبت أركان الدوله الإسلامية ولولاه ماثبت أركان الدوله الأموية (مع أني ضد هذه الفكرة) وهذا الواقع
    ثالثا اين موقف صحابه رسول الله من يزيد بن معاوية (كتشبيه باليوم)
    أخيرا
    ( ينطبق على جميع إعدائنا سواء كان شيخاً يشرعن القتل كالبوطي أو شبيحاً يقوم بالقتل ولا نفرّق بينهما لا لصالح الأول ولا لصالح الثاني).
    لا يمكن بأي مقياس تقييم شخص كالدكتور سعيد مع شبيح إذا أخذنا مبدأ أخذ الشخص ككل واحد وليس موقف واحد
    فإن أخطأ(شبح) الدكتور خلال سنتين فإن له تاريخ على مدى 30 عام من العطاء الفكري والديني (على الأقل أعتبره مفكر) وكان غير منتفع على شهادة غالبية العلماء والناس المحطين به
    وشخص يعش على الخمر والزنا والتشبيح والكفر من نعومة أظفاره
    في فرق بين الشخصين ولو بسيط
    وكما يقول الأثر (شربة ماء من كف بغي لكلب عقور أثمرت دخول جنة عرضها السماوات والأرض)

  2. هذه دعوة للازدواجية في الراي فالاعمال بالنيات ولوكانت العبرة بالنتيجة لكان عقاب القاتل العمد مثل عقاب القاتل بالخطأ ولا يوجد عاقل يقول بهذا الحقيقة ان البوطي اجتهد فاخطا وكان يقصد وجه الله في كل ما يقول وقد اختلف الصحابةفي الراي اجتهادا لدرجة التواجه في ميدان القتال ففريق في جيش علي رضي الله عنه و فريق في جيش معاويةرضي الله عنه وكل يرى الحق الى جانبه ويدافع عنه ويقصد وجه الله في ذلك

أضف تعليق